منتديات حسن .ع . حسان الأدبية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ... يسرنا أن تكون / تكوني أحد / إحدى أعضاء وعضوات المنتديات ، للمشاركة عليك التسجيل أولا ..
مع تحيات مؤسس منتديات ترانيم النبض الحائر .....
منتديات حسن .ع . حسان الأدبية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ... يسرنا أن تكون / تكوني أحد / إحدى أعضاء وعضوات المنتديات ، للمشاركة عليك التسجيل أولا ..
مع تحيات مؤسس منتديات ترانيم النبض الحائر .....
منتديات حسن .ع . حسان الأدبية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات حسن .ع . حسان الأدبية

أدبي ثقافي
 
الرئيسيةالرئيسية  همسة ترحيبية همسة ترحيبية  أحدث الصورأحدث الصور  دخول  التسجيلالتسجيل  

 

 فصلان من حياة ...

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حلا السويدات
مشرف
مشرف
حلا السويدات



فصلان من حياة ... Empty
مُساهمةموضوع: فصلان من حياة ...   فصلان من حياة ... Emptyالإثنين 08 أغسطس 2011, 22:34

وأثناء دخوله السوق.. حطّ سرب من الحمام على يمين الساحة بعد أن قام شاب يرتدي ثوباً تقليديا مزركشاً وعمامةً بيضاء برمي قبضتين من الحبوب الصغيرة.. بدأت مناقير الحمام بإلتقاطها سريعاً غير خائفةٍ وكأنها لا تحفلُ بأعداد الناس التي تدخل السوق وتخرج منه مروراً بهذه الساحة.

رائحة مميزة بدأت تصل أنفه.. ليست رائحة شيء محدد.. لكنها مميزة.. هي حقيقة خليط من روائح الاشياء التي يكتظ بها السوق.. كل الأشياء بدت له غريبة الشكل.. حتى الناس بأشكالهم ولباسهم.. ولغتهم.. كل شيء غريب.. وغير مفهوم.. لكنه مثير ويدعو للدهشة والرغبة في الاستطلاع.. عن قرب.. وبعمق.

تجول ساعاتٍ طويلة في السوق الكبيرة التي تشبه بأزقتها وممراتها المتاهة إلى حدٍّ كبير.. كم سيلبث هنا قبل أن يتابع الطريق نحو هدفه؟؟ يلزمه الكثير من الحاجيات ليشتريها أولاً.. لكن هناك أولويات.. وهذه السوق هي الأولى والأخيرة في طريقه.. إذن عليه أن يتريث.. تحسست يداه صرة النقود المربوطة إلى عنقه… هي ثروته الوحيدة.. لا شيء يدعو إلى القلق.. فالأمور منذ أن بدأت رحلته وهي تسير على أحسن ما يرام… مشكلة صغيرة لاحت في الأفق.. كيف سيفهمهم؟؟ كيف سيفهمونه؟؟

انتبه فجأةً أن قدميه بدأتا تؤلمانه.. في النفس اللحظة التي وصلت فيها أنفه رائحة خبزٍ طازج.. إذن.. ثمة مخبزٍ أو مطعم بالقرب.. مرت دقائق قليلة قبل أن يوصله أنفه إلى المطعم.. اقترب احدُ العمال من الطاولة التي جلس إليها.. وراح يرطن بتلك اللغة.. لم يفهم منها حرفاً واحداً.. لكنه فهم المقصود… أشار بيده إلى طاولة بجانبه.. انهمك صاحبها بتفتيت الخبز الطازج ووضعه في إناء مرق اللحم.. سال لعابه وهو يهز برأسه فيما كانت يمناه لا تزال تشير إلى إناء الطعام وعيناه تستعطفان عامل المطعم بلغة صامتة: أريد مثل هذا الرجل تماماً.

هاهو يقف مرة أخرى في السوق الكبيرة.. يبحث عن شيء ما.. شيء مميز.. ليس يدري عن أي تمييز يبحث.. كل شيء هنا يبدو مميزا بطريقة تختلف.. هذا قديم وهذا حديث وهذا نبات وهذا حجر… عقله لا يستوعب تلك الاشياء دفعة واحدة..

- "أنت جديد هنا؟؟"

- "نعم…!! هه!! انت تتكلم لغتي؟؟"

- "عرفتك من هيئتك… انا قديم هنا.. هل تريد العون؟"

بقي صامتا وهو يحدق في الشاب.. ملامحه مألوفة للغاية.. هو حقاً يعرفه.. معرفة وثيقة.. ملامحه.. ابتسامته.. لهجته.. كل شيء.. لكن أين ألتقايا من قبل يا ترى؟؟ راحت ذاكرته تنتفض وتعصف دونما نتيجة واضحة.. شكله يوحي بأنه قادم من نفس البلد التي قدِم منها هو.. انتبه مرةً أخرى.. ما زال الشاب واقفاً.. مبتسماً..

- "نعم.. نعم..!!"

- "ما بالك؟؟"

- "لماذا تلبس ما يلبسون؟؟"

- "ظروف العمل..!!"

- "هل التقينا من قبل؟؟"

- "لا أظن..!!"

- "لكنني أعرفك!!"

هذه المرة.. استكشف جوانب جديدة من السوق بفضل الشاب.. دليل رائع.. ومتحدث لبق.. يفهمه قبل ان يقول ما يريد.. استسلم له.. شعر بأنه يعرفه منذ أمدٍ بعيد..

ابتاعا كوبين من عصير القصب.. ربّتَ على كتفه..

- "انت انسان رائع..!!"

- "لا شكر على واجب..!!"

توقفا أمام دكان كبيرة مليئة بالاقفاص التي يصدر عنها صياح وزعيق الحيوانات المحشورة فيها.. قرود وقطط وطيور ومخلوقات أخرى لم يرها من قبل.. لفت نظره قرد ينظر نحوه بطريقة غريبة.. كانت شفتا القرد تتحركان.. أو تهمسان.. خفتت كل الأصوات في أذنيه.. اقترب من القرد أكثر.. الأصوات تكاد تختفي.. فلا يسمع إلا همهمات تخرج من بين شفتي القرد.. إنحنى فوق القفص وهو يميل بأذنه تجاه شفتي القرد.. قفز القرد وهو يزعق بصوت عال جدا.. تراجع الشاب إلى الخلف مذعوراً ثم سقط على ظهره بدويٍ عال.. ضحك الناس حوله.. وأكملوا طريقهم وهم يقهقهون.. وقف على قدميه.. التفت يمنة ويسرة.. كان صديقه الجديد قد اختفى.. اختفى تماماً.. واختفت معه صرة النقود!!!

ستة أسابيع مرّت وهوَ ما يزال حبيس السوق.. وذاك السارق لم يظهر.. وكأنما لم يكن له وجود.. كان يسأل الباعة والمارين عنه.. والناس تهز رؤوسها.. عطفاً أو شفقةً أو عدم فهم.. مرّ يومٌ.. ويومان.. ثم بدأ الجوعُ يعلن انتفاضته العارمة.. راح يساعد الناس في رفع أحمالهم فيتصدقون عليه بدراهم قليلة.. ومنهم من يكتفي بإعطائه رغيفاً أوتفاحةً أو شيئاً من طعام..

عدّاد الزمن في عقله راح يختفي شيئاً فشيئاً.. فالأيام غدت متشابهةً إلى درجة يصعبُ معها تمييزُ أمسه من يومه أو حتى غده.. وحتى الناس هنا؛ هم طبقتان لاغير، سادة لم يرَ من بينهم فاحش الثراء، وخدم كالعبيد.. وحتى العبيد لم ير منهم متسولاً غلبته الدنيا.. هو إذن يعيش أياماً رتيبة… بمشاهد معتادة.. حتى الملل بدأ يفقد معناه داخل روحه العطشى التي دفعته – في البداية – للبحث عن ما يكسر جمود أيامه في موطنه.. الملل.. أمسكَ الكلمة من عنقها.. راح يشدها بكلتا يديه.. حاول تفكييها لم يستطع.. مطاطية لزجة… قذفها بعيداً عنه.. اصطدمت بالحائط بقوة.. وارتدت نحوه لتلتف نحو عنقه.. حتى كادت أن تقتلع عينيه…

مرت اربعةُ شهورٍ أو يزيدُ قليلاً.. هكذا أنبأته القطعُ النقدية التي حواها كيسه الصغير منذ أن بدأ بتجميعها..

- ربااااه… يلزمني أضعافها حتى أتابع ما دخلت هذه السوق لأجله!!

تعجب لأمر الناس هنا؛ حياتهم برتابتها.. هدوءهم الممل.. ضحكاتهم التي لا تتبدل.. حتى المطاعم وإن كثرَ عددها: تقدم ذات الطعام بنفس الأسلوب.. أيُّ حياةٍ يعيشون!!

لم يكن يستطيع – بأي حال من الأحوال – مضاعفة مكسبه من عمله في السوق.. فعمله موثوقٌ بحركة السوق الرتيبة.. وأي مضاعفةً يسأل عنها وقد حفظ السوقَ والمحال التجارية كلها.. حتى أشكال الناس من باعةٍ ومشترين.. هُم هُم.. لا يتغيرون ولا يتبدلون..

- اييييه.. هكذا عرفني إذن.. لا بد أنه كان يعاني مما أعاني منه الآن!!

بدأ يتقن لهجة أهل البلد.. وارتدى ما يلبسون بعد أن أودى الزمان بملابسه… أما أكثر ما كان يدعوه للسرور.. تلك الأكتاف القوية التي أصبح يمتلكها.. الأمر الذي زاد مؤشر إرتفاع مدخراته قليلاً.

لم يعد يقوى على عدّ الأيام.. مرت شهورٌ كثيرة… ونقوده ما تزال لا تكفي للرحيل..

- يا إلهي!! كم سألبث هاهنا؟؟

شعر بدوخة خفيفة.. شرب ما تبقى من كأس عصير القصب.. ثم اعتدل واقفاً.. رأى سرباً من الحمام يحط على يمين الساحة… كان هناك شابٌ يرمي الحبوب.. وشاب آخر يبدو وكأنه قادم من بلد آخر… يقف في مدخل السوق يراقب مشهد الحمام باستغراب.. كان وجه الشاب مألوفاً جداً.. ليس يدري أين رآه من قبل.. راح يمشي خلفه… يتبعه في كل السوق خلسة.. رآه يتحسس صرة نقوده التي ربطها بحبل نحو عنقه.. اتسعت ابتسامته.. ثم تقدم نحوه بثبات وسأله:

- "أنت جديد هنا؟؟"

- "نعم…!! هه!! أنت تتكلم لغتي؟؟"

- "عرفتك من هيئتك… أنا قديم هنا.. هل تريد العون؟"

……………………………


بقلم القاص الرائع : عبد الكريم اليماني ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فصلان من حياة ...
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات حسن .ع . حسان الأدبية :: الفئة الثانية ( المنتديات الأدبية ) :: القصص والروايات المنقولة-
انتقل الى: